المعنى الإجمالي
لمَاَّ أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالقِيَامِ بِحُدُوْدِهَا، وَشَدَّدَ الأَمْرَ بِتَأْكِيْدِهَا ذَكَر الحَالَ الَّتي يَشْتَغِلُ الشَّخْصُ فِيْهَا عَنْ أَدَائِهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وَهِيَ حَالُ القِتَالِ وَالْتِحَامِ الحَرْبِ يَعْنِيْ : مُسْتَقْبِلِيْ القِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيْهَا كَمَا قَالَ مَالِكُ، عن نَافِعٍ: أن ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذِا سُئِلَ عَنْ صَلاةِ الخَوْفِ وَصَفَهَا. ثُمَّ قَالَ: فِإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالاً عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانَا مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيرَ مُسْتَقْبِلِيْهَا.
كم تُصلَّى صلاة الخوف ؟!
وَقَدْ ذَهَبَ الإِمَامُ أحمدُ فيمَا نَصَّ عَلَيهِ، إِلَى أَنَّ صَلاةَ الخَوْفَ تُفْعَلُُ في بَعْضِ الأَحْيَان رَكْعَةً وَاحِدَةً إِذَا تَلاحَمَ الجَيْشَانِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُنَزَّلُ الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير من طريق أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن ابن عباس قال: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلََّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الحَضَرِ أَرْبَعًَا، وَفِيْ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيْ الخَوْفِ رَكَعَةٌ وَبِهِ قَالَ الحَسن البَصْرِيُّ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَاكَ وَغَيْرِهم
• وَقَالَ الْبُخَارِيّ" بَاب الصَّلَاة عِنْد مُنَاهَضَة الْحُصُون وَلِقَاء الْعَدُوّ " وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْح وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاة صَلَّوْا إِيمَاء كُلّ اِمْرِئٍ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاء أَخَّرُوا الصَّلَاة حَتَّى يَنْكَشِف الْقِتَال وَيَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَا يَجْزِيهِمْ التَّكْبِير وَيُؤَخِّرُونَهَا حَتَّى يَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُول وَقَالَ أَنَس بْن مَالِك : حَضَرْت مُنَاهَضَة حِصْن تَسْتُر عِنْد إِضَاءَة الْفَجْر وَاشْتَدَّ اِشْتِعَال الْقِتَال فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاة فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْد اِرْتِفَاع النَّهَار فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا قَالَ أَنَس : وَمَا يَسُرّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاة الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا .
• ثُمَّ اِسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ تَأْخِيره - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْر يَوْم الْخَنْدَق لِعُذْرِ الْمُحَارَبَة إِلَى غَيْبُوبَة الشَّمْس وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْد ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ لَمَّا جَهَّزَهُمْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيق فَصَلَّوْا وَقَالُوا لَمْ يُرِدْ مِنَّا رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا تَعْجِيل السَّيْر وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَتْهُ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَى أَنْ غَرُبَتْ الشَّمْس فِي بَنِي قُرَيْظَة فَلَمْ يُعَنِّف وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِيَار الْبُخَارِيّ لقول من قال إن صلاة الخوف قد تؤدى ركعة .
قول الجمهور !
• وَالْجُمْهُور عَلَى خِلَافه وَيُعَوِّلُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاة الْخَوْف عَلَى الصِّفَة الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْقُرْآن فِي سُورَة النِّسَاء وَوَرَدَتْ بِهَا الْأَحَادِيث لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَة فِي غَزْوَة الْخَنْدَق وَإِنَّمَا شُرِعَتْ بَعْد ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهَذَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد وَغَيْره وَأَمَّا مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْبُخَارِيّ فَيُجِيبُونَ بِأَنَّ مَشْرُوعِيَّة صَلَاة الْخَوْف بَعْد ذَلِكَ لَا تُنَافِي جَوَاز ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا حَال نَادِر خَاصّ فَيَجُوز فِيهِ مِثْل مَا قُلْنَا بِدَلِيلِ صَنِيع الصَّحَابَة زَمَن عُمَر فِي فَتْح تَسْتُر وَقَدْ اُشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَر وَاَللَّه أَعْلَم